بث تجريبي

خاص/المبادرة .. لبنى بن عبدالله: فكر أوجلان فلسفة عميقة تسعى لإقامة مجتمع ديمقراطي

مرحلة جديدة تعيشها تركيا ومعها دول المنطقة المتشاركة في التعاطي مع القضية الكردية، زخم أساسه المبادرة التي أطلقها الزعيم الكردي عبدالله أوجلان تحت مسمى "نداء السلام والمجتمع الديمقراطي" في 27 فبراير من العام الجاري، توجت بإعلان حل الهيكل التنظيمي وحزب العمال الكردستاني، ثم فعالية السليمانية الرمزية التي أحرق فيها عشرات من مقاتلي الحزب أسلحتهم.

يكشف هذا التطور عن فكر مختلف وتحولات كبيرة في لدى أوجلان، وهو ما تؤكده الباحثة السياسية التونسية لبنى بن عبدالله، في حوار خاص مع موقع "المبادرة"، إذ تؤكد أن أوجلان صاحب فلسفة عميقة هدفها إقامة مجتمع ديمقراطي، وقد مر بتحولات كبيرة عبر عدة مراحل لأسباب خاصة بقناعاته وأخرى خاصة بالواقع الكردي، وأسباب تتعلق بالوضع الإقليمي والدولي.

وإلى الجزء الأول من الحوار:

*كتبت كثيراً عن عبدالله أوجلان، ما أهم ما تتوقفين عنده في فكره؟

- فكر القائد عبد الله أ وجلان هو فلسفة سياسية عميقة  تسعى لإقامة مجتمع ديمقراطي حر، يحترم المرأة ويضمن كل حقوقها المتساوية مع الرجل، وبناء إنسان صديق للبيئة يجمع بين المبادىء  البيئية والحرية. وقد إبتعد المفكر أوجلان عن النموذج الماركسي اللينيني التقليدي حيث ركز على مفهوم الأمة الديمقراطية بدلاً من الدولة القومية التقليدية بترسيخ مبادئ الحرية والإدارة الذاتية والحلول السلمية للقضايا الكردية ويسعى لبناء مجتمع مقاوم للرأسمالية والإمبريالية. وقد طرح الأمة الديمقراطية بدلاً من الدولة القومية بتنظيم المجتمع على أساس التنوع اللا مركزي مع ضمان الحقوق الثقافية والسياسية  لجميع المكونات. كما أنه لم يعد يتبنى نظام الفيدرالية لأن هذا الحكم قد يتركز لدى عائلة أوعائلتين ونعود لديكتاتورية العائلة. فكره يركز على إقامة البيئة الديمقراطية الحقيقية، وليست ديمقراطية الرأسمالية والليبرالية التي تضفي شرعية على الاستغلال. ركز كذلك على أهمية حماية البيئة والعيش في انسجام معها خاصة أن التدهور البيئي مرتبط بالرأسمالية والصناعوية، وهي نظام رأسمالي يعيد تشكيل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية على أساس الربح المفرط والتدمير للبيئة. أيضاً المجتمع الحر والمتحرر من السلطة الهرمية والاستناد لتعزيز التحرر الفردي والجماعي في مختلف جوانب الحياة وتحرير المرأة. فكره يعني التحرر من الدولة القومية، التي هي مصدر عنف وصراع ويدعو إلى تنظيم بدائل تنظيمية.

*كيف طور أوجلان فكره مع تطور الظروف والأحداث والواقع؟

- لقد تحول  الفكر لدى القائد عبد الله أوجلان من الفكر الماركسي اللينيني الداعي إلى إنشاء دولة كردية مستقلة إلى تبني نظريات الكونفدرالية الديمقراطية والتحرر الديمقراطي للأمة، الذي يرتكز على بناء مجتمع ديمقراطي لا مركزي، ويرفض الدولة القومية، ويؤمن بالمساواة بين الجنسين وحماية البيئة. ولقد مرت هذه التحولات في فكر أوجلان بعديد من المراحل. الأولى لمرحلة الأولى الفكر الماركسي- اللينيني من 1970 -1990، وتأسيس حزب العمال الكردستاني، والنضال المسلح لتحقيق الإستقلال. أما المرحلة الثانية فكانت التحول نحو الكونفدرالية الديمقراطية في الفترة من 1990 وحتى 2005. وقد بدأ بطرح فكرة الكونفدرالية الديمقراطية كبديل للدولة القومية التي ترتكز على اللا مركزية والتمكين للشعوب الكردية والمجموعات العرقية الأخرى. المرحلة الثالثة أو ما بعد 2005 وفيها تبني نظريات الحرية الديمقراطية، حيث تطور الفكر الأوجلاني ليؤسس لفكر الأمة الديمقراطية، واللا مركزية السياسية، وتفويض السلطة إلى مستويات محلية بدلاً من السلطة المركزية. والمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، وأن المجتمع لا ينهض إلا بتدريس وإعطاء قيمة إنسانية وثقافية وعلمية المرأة. الديمقراطية الحقيقية لديه تجاوزت الفكر التقليدي. رفض الدولة القومية واعتبارها أداة للاضطهاد والتهميش والدعوة لبناء مجتمعات ديمقراطية متعددة الثقافات، لنصل إلى مرحلة مابعد حل حزب العمال الكردستاني ،والسعي لتوحيد الكرد  للتكامل الإقليمي والأممي.

*إذا كانت هذه أهم المحطات الفكرية في حياة أوجلان، ماذا عن الأسباب التي دفعت نحو هذه التحولات الكبيرة؟

- أسباب فكرية إيديولوجية. إن قناعات أوجلان تقوم على أن الشيء الوحيد الذي لا يتغير هو التغيير أو الشيء الثابت الوحيد هو التغيير .هناك حقيقتان واحدتان في الكون هما الموت والتغيير. إلى جانب ذلك المراجعة الفكرية الإيديولوجية التي قام بها؛ حيث فشل اليسار والماركسية اللينيية، بل تحولت الاشتراكية إلى فاشية مقيتة، وحتى الصين بلد ماو تسي تونج تتدعي الاشتراكية لكنها بلد رأسمالي بلا حريات ولا ديمقراطية، تتعامل بقسوة مع المواطن الصيني، يراود حكامها حلم توسعي إمبراطوري قديم باحتلال العالم. كما انهار الاتحاد السوفيتي الذي تسلح على حساب الحريات ورفاهة شعوبه، لكنه لم يصمد لأنه هش ولأن السلاح لا يبني المواطنة الحقيقية. وحتى روسيا اليوم مثلها مثل الغرب حلمها الاستعماري يتممد. ورغم اللبس الذي يقع فيه المواطن المشرقي من أن أمريكا شريرة وروسيا طيبة، إلا أن الحقيقة أن الجميع يريد نهب خيرات العالم الثالث.

*أود هنا أن أسأل أنه إلى جانب العوامل السابقة، ماذا عن الواقع الكردي كدافع نحو هذه التحولات؟

- هذا سبب مهم في التحولات الفكرية لدى أوجلان، لقد بدأ الكرد يثبتون وجودهم في دولهم، وأصبح الثقل الديمغرافي والمعرفي يعطي أكله، فنجدهم في المناصب العليا في الدولة، وعلى سبيل المثال رئيس دولة العراق كردي بضمان الدستور، ولهم خطط عليا في الإدارة والجيش والسياسة والثقافة والفنون. الاحتفالات وأعياد الكرد أصبحت وطنية. كما أن كرد الجبل سكنوا السواحل والسهول والشرق والغرب وأثبتوا وجودهم فيها.

*بالتأكيد البيئة الإقليمية والدولية كانت عنصراً مؤثراً نحو هذه التحولات، أليس كذلك؟

-  في واقع الأمر العالم يتغير، والتوازنات تغيير، والتحالفات تتغير. الكردي الآن لن يقبل أن يكون وسيلة لتصفية حسابات، أو أن يتم استغلال قضيته، أو يقدم تنازلات إقليمية ودولية. القائد أوجلان يقر بوجود كردي لكن كمصدر توازن في المنطقة وليس مصدر توتر أو حرب. كما أن العصر الآن للأسلحة الذكية والنوعية، وعصر العلم والتكنولوجيا. وأن التوازنات اليوم تقام على أساس اكتساب المهارات والعلوم والتكنولوجيا والمصالح المشتركة، وليس بترسانة الأسلحة. في مرحلة أولى كان الكفاح المسلح ظاهرة عالمية في السبعينات، مازالت الشعوب في حروبها التحررية. اليوم التسلح بمفهومه التقليدي ،وحرمان الشعوب من الحياة الكريمة تحت حكم اشتراكي أو شبه اشتراكي يتحول إلي فاشية واستبداد. هل حمت الأسلحة حكم صدام حسين أو القذافي أو غيرهم من الرؤساء والزعما؟!.

*تجربة السجن كيف كانت مؤثرة بشكل كبير في فكر أوجلان؟ 

- التجربة السجنية لها أثرها الكبير على نفسيته، هو أيقونة النضال والصبر، ضحى بحياته من أجل قضيته، هو يريد أن يتحرر الكرد من السجن الكبير وهو التسلح والتعصب والاستعداد لحرب العلم، وإذا لم ينهي الإنسان الحرب فلن تنتهي لحالها وتظل حرب تجر أخرى. ولأنه يريد للكرد أن يعيشوا حياة كريمة مليئة بالحرية والسلام والاعتزاز بالثقافة. فالحرب تقتل الأشياء الجميلة في الإنسان ،ولا يحيا الجمال فينا إلا بالسلام.

*بلا شك قرار حل حزب العمال الكردستاني كان خطوة مفاجأة للغاية، كيف تابعتي هذا الإعلان؟

- كان حزب العمال الكردستاني إثبات وجود الكرد؛ فكان نضالاً من أجل إحياء وإثبات الوجود الكردي ضد إنكار الوجود والتهميش الذي عاناه الكردي لعقود من الزمن، وحرم حتى من ممارسة هويته وأبسطها لغته وأعياده، حيث كانت اللغة الكردية ممنوعة بالقانون في تركيا، بل يعاقب كل من يتكلمها. إن الأحزاب صورة عاكسة لمجتمعاتها، حيث قال القائد "لقد خضنا صراعاً كبيراً أعتقد أننا خرجنا منه على قيد الحياة". فجميع الحسابات الخارجية تسحب إلى الداخل، وهذا موجود في التاريخ الحزبي لكل الأحزاب. فقد قال ماو "كل التناقضات في التاريخ الصيني قد نقلت إلى الحزب الشيوعي وهذه ستستمر لقرون". حقيقة الأحزاب أو لنقل الشكل التقليدي للأحزاب يمر بأزمة في كل العالم، وكأننا أمام إفلاس  وانتهاء صلاحية؛ فاختار القائد حل الحزب للتخلص من عبء بهدر الدماء بلا فائدة، استنزاف الأرواح والطاقات والثقافات سيكون إنهاء ماهو موجود.

.. يتبع

قد يهمك