اتخذت الحكومة اللبنانية وعلى رأسها نواف سلام قراراً حاسماً في جلستها يوم الثلاثاء الماضي، بتكليف الجيش اللبناني بوضع خطة مفصلة لنزع السلاح غير الشرعي، على أن تُعرض على مجلس الوزراء في موعد أقصاه 31 أغسطس، تمهيداً لبدء تنفيذها مع نهاية العام الحالي 2025.
وقد وضعت تلك الخطوة لبنان على صفيخ ساخن وجدل محتدم على مدار الأيام الماضية، لا سيما مع رفض الحزب لقرار الحكومة، وفي القلب من ذلك انقسم اللبنانيون إلى معسكرات بين من هم معه ومن هم ضده، وبين النقيضين تتعدد المواقف.
أسباب اتخاذ القرار
يأتي هذا القرار في سياق ما يُعرف بـ"الورقة الأمريكية" التي قدمها المبعوث الأمريكي توم باراك، والتي تتضمن عدة أهداف أبرزها ضمان وقف دائم للأعمال العدائية مع إسرائيل، وانتشار الجيش اللبناني على كامل الأراضي، وانسحاب إسرائيل من النقاط المحتلة. وقد شهدت جلسة إقرار المبادئ الأولية للورقة انسحاب الوزراء الشيعة اعتراضاً على ما اعتبروه "ضغوطاً خارجية" وغياباً للتوافق الوطني.
تعليقاً على ذلك، يرى إسماعيل صخر، القيادي في تيار المستقبل اللبناني، أن قرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح بيد الدولة هو موضوع ذو حساسية، ويُنظر إليه من زوايا مختلفة بناءً على الخلفيات السياسية والأيديولوجية. وأضاف أن القرار يهدف إلى إعادة هيبة الدولة وسيادتها على كامل أراضيها، وقد حظي بدعم دولي، حيث رحبت به دول ومؤسسات إقليمية ودولية، واعتبرته خطوة نحو استقرار لبنان.
ضغوط دولية؟
في المقابل، تقول أورنيلا سكر، الباحثة السياسية اللبنانية ورئيسة تحرير موقع "أجيال القرن 21 للدراسات والأبحاث الاستشرافية"، إن قرار حصر السلاح اتُّخذ تحت ضغوط دولية ودعم أمريكي سعودي، مشيرة إلى أن السعودية تضغط على الحكومة اللبنانية مشترطةً إنهاء ملف سلاح حزب الله قبل أي مشاركة في الإعمار أو تقديم دعم مالي بقيمة 10 مليارات دولار.
ولفتت في هذا السياق للتدليل على موقفها إلى تصريحات توم باراك والتقرير الأمريكي بشأن إعطاء لبنان 120 يوماً لإنهاء المسألة، وإلا فإن لبنان قد يواجه اجتياحاً إسرائيلياً محتملاً. وترى سكر أن هذا القرار يعد استفزازاً أمريكياً، وبخاصة أنه تزامن مع انتقادات وزير خارجية إيران عباس عراقجي للبنان بشأن الاستراتيجية الدفاعية التي لم تُناقش بعد، متساءلة عن كيفية حصر هذا السلاح في ظل غياب التفاهم وخطة استراتيجية دفاعية للمرحلة الانتقالية.
وحذرت الباحثة من محاولات لجر لبنان إلى فتنة طائفية سنية شيعية عبر الضغط على حزب الله ودفعه إلى حرب أهلية، وفقاً لها.
موقف حزب الله وحلفاؤه
وقد صعّد حزب الله من لهجته، حيث أكدت كتلة "الوفاء للمقاومة" على لسان النائب محمد رعد، أن القرار "يُعرّي السيادة ويفتح الباب أمام العدو لتهديد الاستقرار الداخلي".
وشدد رعد على أن "سلاح المقاومة كان عامل حماية للبنان"، معتبراً أن "تسليم السلاح يعني تسليم الشرف، وهو انتحار لا ننوي القيام به"، على حد قوله، متهماً الحزب الولايات المتحدة وإسرائيل بالضغط لنزع سلاحه بهدف "نقل الصراع من طابعه اللبناني-الإسرائيلي إلى صراع داخلي".
هذا الموقف تدعمه تصريحات وزيرة البيئة تمارا الزين، المحسوبة على الثنائي الشيعي – أي حزب الله وحركة أمل – التي حذرت من أن الاتفاقية المطروحة تمس سيادة لبنان، وتتطلب نقاشًا أوسع وتوافقًا وطنيًا شاملاً.
الوضع الميداني
ميدانياً، لم تهدأ شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق أخرى، حيث جابت مسيرات الدراجات النارية التي نظمها مناصرو حزب الله، في استعراض للقوة ورفض قاطع لقرار الحكومة.
هنا تؤكد أورنيلا سكر إلى أن هذا القرار ينعكس سلباً على الداخل اللبناني، فاللبنانيون لا يريدون الفتنة والصدام الطائفي، بل حلاً سلمياً لمسألة السلاح.
التفاهمات الخارجية
يتزامن هذا التجاذب الداخلي مع حراك دبلوماسي مكثف، فمن المتوقع أن يصل المبعوث الأمريكي توم باراك إلى بيروت مجدداً، بالتزامن مع زيارة مرتقبة لمبعوث سعودي، لإجراء مباحثات مع المسؤولين اللبنانيين.
وفي السياق نفسه، يقوم وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بجولة في المنطقة تشمل العراق ولبنان، يضع خلالها ملف سلاح حزب الله على رأس أولوياته، حيث أبدت طهران رفضاً شديداً لقرار حصر السلاح.
ويلفت القيادي بتيار المستقبل إسماعيل صخر هنا إلى أن إيران تحتفظ بورقة حزب الله لكسب المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك، يتذرع حزب الله بضرورة تطبيق القرار 1701 بشكل كامل من قبل الطرفين، لبنان وإسرائيل، رافضاً ما يعتبره "تفلتاً إسرائيلياً في انتهاكاته".
ويقول سراج بهجت، السياسي اليساري اللبناني في تصريح خاص لموقع المبادرة، إن حصر السلاح قد تم بتوافق إقليمي ودولي ولبنان ملزم بهذا القرار؛ كونه يعيد بناء ما دمرته الحروب وما آلت اليه الأوضاع الاقتصادية والانهيار المالي في لبنان ويعيد للدولة اللبنانية سلطتها على كل لبنان.
وأضاف، أن حزب الله من يتحمل نتائج ما فعل وتسليم سلاحه هو الأفضل له وحرصا على سلامة ما تبقى من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية.