أكد خبراء أن إيران ستواجه أوضاعًا اقتصادية أكثر صعوبة في حال مضت الدول الأوروبية قدمًا في تهديدها بإعادة فرض العقوبات على طهران، الأمر الذي من شأنه أن يزيد الضغوط على النظام الإيراني، ويُعمّق عزلته الدولية، ويُفاقم التوترات الدبلوماسية، ويرفع من احتمالات التصادم مع الجانب الأوروبي أو أطراف الاتفاق النووي.
وفي ظل الخلاف مع إيران حول برنامجها النووي، تهدد الدول الأوروبية بتفعيل آلية «سناب باك»، التي نص عليها الاتفاق النووي المُبرم مع إيران عام 2015، وتسمح بإعادة فرض عقوبات دولية على طهران.
ويتضمن قرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي يدعم الاتفاق، بندا يُعرف بآلية «سناب باك» يتيح إعادة فرض العقوبات في حال انتهاك بنود الاتفاق. وتنتهي صلاحية هذه الآلية في 18 أكتوبر.
وبموجب هذا القرار، يمكن لأي دولة مشارِكة في الاتفاق تفعيل الآلية، من خلال تقديم شكوى إلى مجلس الأمن بشأن عدم امتثال كبير للالتزامات من جانب مشارك آخر.
وفي غضون 30 يومًا من هذا الإخطار، يتعين على المجلس التصويت على مشروع قرار لتأكيد استمرار رفع العقوبات. أما إذا كانت الدولة المشتكية ترغب في إعادة فرضها، فيمكنها استخدام حق النقض «الفيتو» ضد القرار، ما يؤدي إلى إعادة فرض العقوبات تلقائيًا.
وطرحت القوى الأوروبية هذا الخيار في أعقاب قرار إيران تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
مخاوف أوروبية من القدرات الصاروخية
وقال هاني سليمان، الخبير في الشئون الإيرانية، إن هناك العديد من الدوافع التي توجه الدول الأوروبية لفرض آلية سناب باك على إيران في هذا التوقيت، خاصة أن هذه الدول الأوروبية كانت هي نفسها التي عارضت لجوء الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذه الآلية في وقت سابق، على اعتبار أنها كانت ترى أن هناك مساحة من الدبلوماسية والمفاوضات قادره على إدارة هذا الصراع.
أضاف سليمان ، أنه في ظل تأزم الموقف الحالي أدركت هذه الدول ضرورة الوصول وتفعيل هذه الآلية في حالة المناطحة بين إيران وهذه الدول الأوروبية، لافتًا إلى أنه بإمكان هذه الدول اللجوء للآلية التى تنتهي صلاحيتها في 18 أكتوبر للعام الجاري.
وأوضح أن عامل الوقت مهم جدًا بالنسبة للدول الأوروبية في مسألة تفعيل آلية العقوبات؛ لأنها بعد هذا التاريخ لن تستطيع إعادة تفعيلها، خاصة إذا فشلت الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل في إبعاد إيران عن طموحها النووي.
وتابع أن هناك تهديدًا مستمرًا بات واضحًا بشأن القدرات الصاروخية الإيرانية، وهو ما تجلى في حرب الـ12 يومًا مع إسرائيل، وهو ما يشكل هاجسًا، ويزيد من مخاوف الدول الأوروبية بشأن الصواريخ الباليستية الإيرانية، والطائرات المسيرة التي استخدمت في هذه المواجهات.
ونوه بأن الدول الأوروبية باتت أكثر قلقا من هذه القدرات الإيرانية، في ظل حالة من التعنت الإيرانى بعد الحرب مع إسرائيل، وإصرار طهران على الاستمرار في البرنامج النووي.
وأشار سليمان إلى أن إيران سوف تتأثر بشكل كبير؛ لأن عقوبات سناب باك هي أحد البنود المهمة في اتفاقية العمل المشترك الشاملة، التي أبرمت فى 2015، وكانت تحتوي على بند وفقًا لقرار 2231، الذي ينص على إمكانية لجوء أحد أطراف الاتفاق إلى آلية سناب باك، في حال تأكيد عدم امتثال إيران لبنود الاتفاق النووي.
وأوضح أن هذه العقوبات تشمل 6 قرارات لمجلس الأمن بين عامي 2006 و2010، هي حظر الأسلحة وحظر تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته، وحظر الأنشطة المتعلقة بالصورايخ الباليستية القادرة على حمل رءوس نووية، وحظر نقل التكنولوجيا أو تقديم المساعدة التقنية في هذا المجال، وتجميد الأصول وحظر السفر على عدد من الأفراد والكيانات الإيرانية، والسماح للدول الأعضاء في الأمم المتحده بتفتيش الشحنات المقبلة من الخطوط الجوية وخطوط الشحن الإيرانية؛ لمنع نقل السلع المحظورة.
واستطرد: رد الفعل من الجانب الإيراني جاء على لسان إسماعيل بقائي، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ومفاده بأنه سيكون هناك رد للخطوة الأوروبية، متابعًا: «أعتقد أن إيران ستحاول الإعلان عن خطوات متقدمة في البرنامج النووي وستحاول التصعيد في لهجة الخطاب وستميل إلى نوع من التصلب مع الدول الأوروبية وسيكون التصعيد متبادلًا».
توتر إيراني- أوروبي
من ناحيته، قال كميل البوشوكة، الباحث في معهد الحوار للأبحاث والدراسات، إن العلاقات بين إيران والاتحاد الأوروبي متوترة بسبب البرنامج النووي، ففي 2015، وقّعت إيران ومجموعة 5+1 "مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمم المتحدة" خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) لتقييد الأنشطة النووية مقابل رفع العقوبات.
أضاف البوشوكة في تصريح ، أنه بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018 وإعادة فرض عقوبات، قلّصت إيران التزاماتها، ما أثار مخاوف بريطانيا وفرنسا وألمانيا من تقدمها في تخصيب اليورانيوم.
وتابع أنه في يوليو من العام الجاري، هددت الدول الأوروبية بتفعيل آلية "سناب باك" لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة بسبب عدم تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتخصيبها اليورانيوم بنسبة 60%.
وردًا على ذلك، أعلنت إيران عن أنها ستتخذ ردًا متناسبًا ضد التهديد الأوروبي.
وأوضح البوشوكة أن أسباب رغبة أوروبا في فرض العقوبات هي تخصيب إيران لليورانيوم بنسبة 60%، ما يثير المخاوف من اقترابها من تطوير أسلحة نووية، كما أن حد إيران من وصول مفتشي الأمم المتحدة يزيد الغموض حول برنامجها النووي.
واستطرد: دعم إيران لروسيا بطائرات مسيرة وصواريخ للحرب في أوكرانيا يهدد أمن أوروبا، والقمع العنيف للاحتجاجات بعد وفاة مهسا أميني في 2022، وأحكام إعدام ضد ناشطين وحديثًا ضد ثلاث أحوازيين، دفعت أوروبا لاستهداف مسئولين إيرانيين، كما أثار استعمال طائرات مسيرة وصواريخ باليستية في الحرب مع إسرائيل مخاوف أوروبية من قدرات إيران العسكرية.
وأشار البوشوكة، إلى أن العقوبات الاقتصادية على إيران سوف تؤدي لانهيار العملة المحلية، وارتفاع التضخم، وعجز الموازنة، حيث تعتمد إيران على النفط لتمويل 60% من موازنتها، ودوليًا سيقل تصدير النفط والغاز، وستواجه الدولة صعوبة في التعامل مع المؤسسات المالية العالمية، كما أن ارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات قد يؤديان إلى احتجاجات شعبية.
ونوه بأن رد إيران المحتمل ضد العقوبات الأوروبية سيكون زيادة تخصيب اليورانيوم أو رفض المفاوضات النووية وتعميق العلاقات مع روسيا والصين وكوريا الشمالية لتخفيف تأثير العقوبات.
وأكد أن العقوبات بشكل عام قد تشل الاقتصاد الإيراني وتزيد عزلته، لكن إيران قد ترد بتصعيد نووي أو تحالفات مع دول معادية للغرب، وهذا قد يعقد الأزمة دون تغيير جذري في سلوك النظام، كما أن القيادة الإيرانية تدرك أن استمرار الأزمة الاقتصادية والأزمات السياسية مع الغرب قد يؤدي إلى إسقاط النظام من خلال ثورة شعبية أو استهداف عسكري مباشر من قبل إسرائيل وأمريكا وأوروبا.
من زوايا العالم
منبر الرأي
من زوايا العالم
من زوايا العالم