في سياق إحياء اليوم العالمي لمناهضة العنف في 25 تشرين الثاني، تعود إلى الواجهة أفكار القائد الكردي عبدالله أوجلان حول الحياة المشتركة الحرّة، كما وردت في الجزء الخامس من مانيفستو الحضارة الديمقراطية.
وتكتسب هذه الطروحات أهمية متزايدة في ظل تصاعد أنماط العنف وتفاقم التحديات الاجتماعية المرتبطة بالعلاقات الإنسانية، لاسيما في الشرق الأوسط.
الحياة المشتركة الحرّة… رؤية تتجاوز حدود العلاقة الفردية
يرى عبدالله أوجلان أن الحضارة السلطوية ثم الحداثة الرأسمالية قضتا على التوازن الطبيعي بين المرأة والرجل، وأن تشويه هذا التوازن كان أساساً لانتشار العنف ضد المرأة في أشكاله المختلفة، ويشدّد على أن أي حديث عن ديمقراطية أو تطوّر اجتماعي سيظل ناقصاً ما لم يتم تفكيك نمط الرجولة السلطوية في الفكر والمؤسسات والمجتمع.
يؤكد أوجلان أن بناء حياة مشتركة حرّة يتجاوز مفهوم العلاقة الزوجية الضيقة، ويمتد ليصبح أساساً لبنية المجتمع السياسي والاقتصادي. وعليه، فإن تحرّر المرأة يمثل الخطوة الأولى نحو استعادة التوازن الأخلاقي والاجتماعي الذي دمّرته الحداثة الرأسمالية.
يرى أوجلان أن العلاقة بين المرأة والرجل يجب أن تُبنى على مبدأ المساواة الإيكولوجية، أي فهم الإنسان كجزء من الطبيعة لا ككائن يسعى للهيمنة عليها. وهذا المبدأ، بحسبه، شرط لبناء مجتمع ديمقراطي قادر على مقاومة العنف ضد المرأة وهيمنة النظام الذكوري.
يشدّد أوجلان على ضرورة خوض مواجهة شاملة مع البنية الذكورية فكرياً ومؤسساتياً، مؤكداً أن تحقيق الحياة المشتركة الحرّة يتطلب إزاحة أنماط السيطرة التقليدية، لا الاكتفاء بإصلاحات تجميلية.
يعتبر أوجلان أن الحداثة الرأسمالية أفرغت العلاقة الإنسانية من معناها عبر تحويل المرأة إلى سلعة أو ملكية. وهذا الاختزال –برأيه– يشكل أحد جذور العنف ضد المرأة والانهيارات الأخلاقية والاجتماعية.
تحقيق الحياة المشتركة الحرّة يعني رفض كل أشكال التملك وإرساء علاقة تقوم على احترام الاختلاف الطبيعي، لا الهيمنة. ويعني أيضاً بناء بنية اجتماعية تعترف بدور المرأة كفاعل كامل لا تابع.
يؤكد أوجلان أن تحرّر المرأة في المجالين الاقتصادي والسياسي شرط أساسي للتحرر المجتمعي. فالمرأة ليست قوة عمل رخيصة أو مجانية، بل شريك رئيسي في إعادة بناء المجتمع الديمقراطي.
حين تتحول قيم الحرية والمساواة إلى ممارسة اجتماعية يومية، يصبح المجتمع قادراً على تجاوز أزماته الداخلية، ويضع الأساس لبناء نموذج يناهض العنف ضد المرأة بشكل جذري.
يرى أوجلان أن اختلال التوازن التاريخي بين المرأة والرجل أدى إلى تشويه مفهوم الحبّ وإفراغه من قيمته الإنسانية، وتحويل مؤسسة الزواج إلى إطار يعيد إنتاج الهيمنة.
وتُظهر قصص الأدب العالمي للطرفين –كما يقول– حجم الأزمة التي تعانيها العلاقات في ظل الحداثة الرأسمالية التي جعلت الحبّ علاقة مبتورة عن المعنى، ومصدراً متكرر للفشل والانكسار.
يؤكد أوجلان أن التعامل مع الزواج أو العلاقة المشتركة كمسألة خاصة هو خطأ تاريخي؛ فهذه العلاقة هي الخلية الأساسية التي تُعاد عبرها صياغة الاقتصاد والدولة والمجتمع. وإذا لم تُبنَ على الحرية والمساواة، سيستمر إنتاج الأزمات وتفاقم العنف ضد المرأة.
ويخلص أوجلان إلى أن الاقتصاد والدولة يجب أن يخدما الحياة المشتركة الحرّة، لا العكس، وأن مستقبل المجتمع مرهون بقدرته على استعادة هذا المعنى الإنساني العميق للعلاقة بين المرأة والرجل.