تشهد العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين موجة توتر متجددة أثارت مخاوف واسعة من عودة الحرب التجارية التي هزّت الاقتصاد العالمي في السنوات الماضية. وتتصاعد التحذيرات في الأوساط المالية من تداعيات أي مواجهة جديدة بين القوتين الأكبر في العالم، في ظل تعافٍ اقتصادي هش وارتفاع معدلات التضخم.
بدأ القلق يتعمّق منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استعداده لفرض رسوم جمركية تصل إلى 100% على الواردات الصينية، قبل أن يحاول تهدئة المخاوف بتصريح مقتضب قال فيه إن "كل شيء سيكون على ما يرام"، مؤكدًا أن واشنطن لا تستهدف إلحاق الضرر ببكين.
في المقابل، ردّت وزارة التجارة الصينية بتصريحات حادة أكدت فيها أنها "غير خائفة" من اندلاع حرب تجارية. وجاء ذلك بعد قرار بكين فرض حظر عالمي على تصدير المعادن النادرة، وهو ما قد ينعكس بشدة على قطاعات الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا والسيارات.
صحيفة "نيويورك تايمز" أشارت إلى أن المستثمرين باتوا يخشون عودة مشهد المواجهة الجمركية، خصوصًا مع اقتراب الموعد النهائي في نوفمبر الذي قد يشهد تنفيذ الرسوم الجديدة. ووفق محللين، فإن تطبيق التهديدات الأمريكية قد يرفع التعريفات على الصين إلى نحو 130%.
وبالتوازي، اتجه المستثمرون نحو الأصول الآمنة مثل الذهب، الذي قفزت أسعاره مع تصاعد التوترات، إلى جانب ارتفاع الطلب على السندات الأمريكية والألمانية واليابانية.
يقول خبير أسواق المال محمد سعيد إن الحديث المتجدد عن رسوم جمركية ضخمة أشاع حالة من القلق وعدم اليقين في الأسواق العالمية. وأوضح أن هذه التطورات تهدد بتعطيل سلاسل الإمداد ورفع تكاليف الإنتاج، ما قد يؤدي إلى ضغوط تضخمية وتباطؤ اقتصادي عالمي.
وأضاف أن التوتر التجاري قد يفضي إلى سيناريو "الركود التضخمي"، حيث يجتمع تباطؤ النمو مع ارتفاع الأسعار، فضلًا عن تأثيرات متوقعة على العملات الناشئة والناتج المحلي في البلدين.
تقرير لصحيفة "الغارديان" ربط التصعيد الأخير بقرار الصين تشديد القيود على تصدير المعادن النادرة لأسباب قالت إنها تتعلّق بالأمن القومي. وتُعد هذه المعادن أساسية في الصناعات التكنولوجية والعسكرية، وتسيطر بكين على أكثر من 90% من إنتاجها المعالَج عالميًا.
ويأتي هذا الرد بعد خطوة أمريكية لتقييد تصدير معدات تصنيع الرقائق إلى الصين، في إطار ما تعتبره واشنطن "سد الثغرات" في سياساتها التقنية تجاه بكين.
حاليًا تبلغ الرسوم الجمركية الأمريكية على البضائع الصينية حوالي 58% مقابل 33% من الجانب الصيني، مع تهديدات بزيادتها إلى 150% حال فشل التوصل إلى تفاهم قبل 10 نوفمبر.
الإعلامية الصينية سعاد ياي شين هوا ترى أن ردود الفعل المذعورة في الأسواق مؤقتة، لكنها تعترف بأن القطاعات الموجهة للتصدير، مثل الإلكترونيات والمركبات الكهربائية، قد تشهد انخفاضًا في أرباحها بنسبة تصل إلى 20%.
وتلفت إلى أن السوق الصينية باتت أكثر قدرة على امتصاص الصدمات بفضل البدائل المحلية وتنويع مصادر الاستيراد، مشيرة إلى أن بكين لم تعد في موقع الدفاع بل تتحرك بقرارات "متوازنة ومدروسة".
وتتوقع شين هوا أن يشكّل اجتماع منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC) نهاية أكتوبر فرصة محتملة لخفض التوتر إذا توفرت إرادة سياسية من الجانبين.
من زوايا العالم
من زوايا العالم