في ظل صمت دولي مطبق وتدهور إنساني متصاعد، فارقت الطفلة رزان أبو زاهر الحياة في قطاع غزة بعد معاناة طويلة مع الجوع، لتنضم إلى قائمة متزايدة من الأطفال الذين أودت المجاعة بحياتهم، نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض منذ مارس، وسط انهيار تام للمنظومة الصحية ونقص حاد في المساعدات الإنسانية.
وحسب شبكة CNN الإخبارية الأمريكية، فإن هناك تقارير تكشف عن كارثة إنسانية تتصاعد على مرأى العالم، وتؤكد أن الجوع بات سلاحًا آخر يُستخدم في حرب الإبادة الجماعية التي تُمارس ضد الفلسطينيين في القطاع.
الجوع حتى الموت
رزان أبو زاهر، لم تبلغ بعد عامها الخامس، أسلمت الروح في مستشفى بوسط غزة، أمس الأحد، نتيجة مضاعفات الجوع الحاد وسوء التغذية، وفقًا لما نقله مصدر طبي لـCNN، جثتها النحيلة التي وضعت على لوح حجري باتت رمزًا إنسانيًا لمأساة شعب يُجوَّع عمدًا.
بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فقد لقي 76 طفلًا على الأقل حتفهم بسبب سوء التغذية منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، إلى جانب عشرة بالغين، وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن معظم هذه الوفيات وقعت بعد تشديد الحصار الإسرائيلي في بداية مارس.
ولم تكن "رزان" الضحية الوحيدة خلال الأيام الماضية، إذ توفي أربعة أطفال آخرين في غضون 72 ساعة فقط، أحدهم لم يتجاوز عمره الثلاثة أشهر، وفي الـ24 ساعة الأخيرة، سُجلت 18 حالة وفاة بسبب المجاعة.
تجويع جماعي ممنهج
قبل وفاتها بنحو شهر، التقت CNN بالطفلة رزان، حين كانت في وضع صحي مزرٍ، تعاني من الهزال الشديد، وقالت والدتها تحرير أبو ضاهر في حديثها آنذاك: "لا أملك ثمن الحليب، وهو غير متوفر أصلًا"، وأضافت أن حالة رزان بدأت بالتدهور بعد اندلاع الحرب، رغم أنها كانت بصحة جيدة سابقًا.
ودخلت رزان المستشفى في 11 يونيو، وبقيت فيها 12 يومًا، ثم استمرت في الصراع حتى لفظت أنفاسها الأخيرة بعد 27 يومًا إضافيًا، وسط انعدام الحليب والغذاء والدواء.
منذ بداية مارس، منعت السلطات الإسرائيلية بشكل شبه تام دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ما فاقم الكارثة، ورغم رفع الحظر جزئيًا في نهاية مايو، تقول وكالات الإغاثة إن الكميات التي دخلت "ضئيلة جدًا ولا تكفي لإعالة السكان".
وتزعم السلطات الإسرائيلية أن حماس "تسرق المساعدات وتتربح منها"، وهو ما تنفيه الحركة، كما قالت إسرائيل إن الأمم المتحدة لم تستلم شحنات جاهزة للتوزيع، في حين تؤكد الأخيرة أن القوات الإسرائيلية ترفض باستمرار السماح بدخول المساعدات، مشيرة إلى وجود شاحنات عالقة على الحدود محمّلة بالغذاء والدواء.
مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية أعلن في بيان أن "حوالي 67 ألف شاحنة غذائية دخلت غزة منذ بداية الحرب، محمّلة بـ1.5 مليون طن من الغذاء"، مشيرًا إلى استمرار الجهود لتسهيل إدخال المساعدات "مع اتخاذ تدابير لمنع حماس من الاستيلاء عليها"، وحسب "سي إن إن" فإن الواقع على الأرض يقول غير ذلك.
مرضى دون طعام
قال الدكتور خليل الدقران، المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى، إن "غزة تشهد أسوأ مراحل المجاعة، التي وصلت إلى مستويات كارثية وسط صمت دولي غير مسبوق"، مضيفًا أن "الأطفال يُحرمون من الطفولة مرتين؛ مرة بالقصف، ومرة بالجوع".
وزارة الصحة الفلسطينية قالت يوم السبت إن أعدادًا متزايدة من المرضى يصلون إلى المستشفيات في حالات شديدة من الإرهاق، بينهم "مئات على شفا الموت"، وقال الدكتور صهيب الهمص، مدير مستشفى الكويت الميداني في خان يونس، وفق CNN: "الأشخاص يصلون إلينا وهم بحاجة ماسة إلى الطعام قبل الدواء، أجسادهم لم تعد قادرة على التحمّل".
وأضاف أن مطبخ "وورلد سنترال" أوقف تقديم الوجبات الساخنة للأطباء، بسبب نفاد المكونات، وأكدت المؤسسة أنها قدمت آخر 80 ألف وجبة يوم السبت، قبل أن تتوقف بالكامل نتيجة بقاء شاحناتها عالقة على الحدود.
غذاء تحت النار
في بحثهم عن الطعام، يُخاطر آلاف الفلسطينيين بحياتهم يوميًا، فقد استشهد أكثر من 70 شخصًا يوم الأحد أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات، بحسب وزارة الصحة، التي قالت إنهم "أُصيبوا برصاص القوات الإسرائيلية".
من جهته، قال الجيش الإسرائيلي إن جنوده أطلقوا "طلقات تحذيرية لإزالة تهديد مباشر"، وإن تحقيقًا جارٍ حول الحادث، وأضاف أن المراجعة الأولية "لا تتوافق مع أعداد الضحايا المبلغ عنها".
وفي ذات السياق، أفاد الدكتور محمد أبو سلمية، مدير مستشفى الشفاء، بأن "عددًا كبيرًا من المدنيين يصلون في حالة إغماء بسبب سوء التغذية".
بحسب مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فقد استشهد 798 فلسطينيًا أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية بين أواخر مايو و7 يوليو، من بين هؤلاء، استشهد 615 شخصًا قرب مواقع مؤسسة GHF الأمريكية الإسرائيلية المثيرة، فيما استشهد 183 آخرين على طرق قوافل الإغاثة.
وحتى بعد هذا التاريخ، استشهد العشرات، بما فيهم أكثر من 30 شخصًا يوم السبت الماضي في جنوب غزة، وفقًا لوزارة الصحة.
الموت البطيء
قال توم فليتشر، منسق الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة، لمجلس الأمن الخميس: "الناس يموتون وهم يحاولون إطعام عائلاتهم، من يسعى للحصول على الغذاء يواجه خطر إطلاق النار".
ووفقًا لتقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، تم تشخيص أكثر من 5800 طفل في غزة في يونيو بسوء تغذية حاد، بينما تعاني المستشفيات من نقص حاد في الموارد.
وقال سرمد التميمي، جراح متطوع في جمعية المساعدة الطبية للفلسطينيين، لشبكة CNN: "بصراحة، أشعر أن المحظوظين هم من يُقتلون فورًا، أما الآخرون فيعيشون ببطء أهوال الجوع والالتهابات والديدان ونقص الدواء".