قدّم الحقوقي السوري إبراهيم شيخو شرحاً موسعاً لمفهوم "الاندماج الديمقراطي" بوصفه رؤية إنسانية–اجتماعية تُطرح في مواجهة النموذج الذي رسّخته الحداثة الرأسمالية لمفهوم الاندماج، والذي حوّل الفكرة إلى أداةٍ لصهر المجتمعات وإخضاعها داخل بنى الهيمنة.
وأوضح شيخو، في تصريح لموقع المبادرة، أنّ الأصل اللغوي للمصطلح يشير إلى عملية جمع عناصر مختلفة ضمن كيان مشترك، دون أن يتضمن الإذعان أو الذوبان القسري، إلا أنّ النظام الرأسمالي أعاد صياغته ليصبح وسيلةً لابتلاع الضعيف داخل القوي وإلغاء الاختلافات.
في مواجهة الانصهار
وبيّن شيخو أنّ مصطلح الاندماج المشتق من الكلمة الفرنسية integration يعني الاتحاد عبر الانضمام المتبادل، أي تشكيل كيان مشترك من أطراف متعددة، لكنّ استخداماته المعاصرة كثيراً ما حُرّفت لتروّج لفكرة "الانصهار" والذوبان داخل المجتمع الجديد، وهو ما يعدّ، بحسب وصفه، تشويهاً مقصوداً للمفهوم لخدمة مشاريع فرض التماثل.
وأكد أنّ ثمة فرقاً جوهرياً بين الانصهار الذي يقوم على فرض ثقافة واحدة واعتبارها المرجعية، وبين الاندماج الحقيقي الذي يضمن تعايش الثقافات المختلفة ضمن إطار واحد يحافظ على الخصوصيات.
التحولات العالمية
وأشار إلى أنّ التحولات العالمية، من الحروب إلى الاضطهاد والأزمات الاقتصادية، جعلت مفهومي الدمج والاندماج سياسيين بامتياز، وأنهما إذا طُبِّقا بطريقة صحيحة يمكن أن يؤسسا لنموذج جديد من التشاركية. وشرح أن الاندماج الحقيقي يقوم على التكيّف المتبادل بين المجتمع المضيف والمجتمع القادم، وعلى تأسيس حياة مشتركة تحترم الهويات الأصلية بدل تذويبها.
وأضاف شيخو أنّ الحداثة الرأسمالية استخدمت قوانين الاندماج كوسيلة جديدة للسيطرة بعد تسببها في موجات واسعة من النزوح، حيث فُرض على المهاجرين التكيّف وفق شروط المجتمعات المستضيفة وحدها، وهو ما حوّلهم إلى مجموعات معزولة يسهل التحكم بها. وفي الشرق الأوسط، وخاصة في فلسطين وسوريا وكردستان، تُفرض خيارات قاسية على الأفراد بين الخضوع أو مواجهة القمع أو العودة إلى مناطق الحرب، ما يعيد إنتاج السيطرة بأشكال مختلفة.
مشروع إنساني
وفي المقابل، يطرح شيخو "الاندماج الديمقراطي" بوصفه مشروعاً إنسانياً قائماً على العيش المشترك الحر والتكافؤ والتعددية الثقافية، وهو مشروع يعيد تعريف علاقة الأفراد والمجتمعات ضمن إطار تشاركي لا استيعابي. ووفق رؤيته، لا يمكن ترك مسألة الاندماج الديمقراطي لقرارات الدول القومية، لأنه يمثل خطوة أساسية لبناء مجتمع حرّ ومتعدد، ويجب أن تستند قوانينه إلى مبادئ واضحة.
وسرد الحقوقي مجموعة من المعايير التي يجب أن تقوم عليها قوانين الاندماج الديمقراطي، أبرزها اعتماد نهج قائم على حقوق الإنسان، الاتفاق على قيم مشتركة، حماية الهويات الدينية والثقافية والاجتماعية من أي محاولة للانصهار، ضمان تكافؤ الفرص ومنع هيمنة مجموعة على أخرى، تعزيز التشاركية في الحياة اليومية، وتطبيق القوانين بشفافية لمنع استغلالها في تكريس السلطة، إضافة إلى إلغاء السياسات التمييزية المعمول بها في الدول القومية.
العيش المشترك
وأكد شيخو أنّ الخطوة الأولى نحو العيش المشترك الحر تبدأ عندما يشعر الأفراد أنهم جزء أساسي ومتساوٍ داخل المجتمع دون تمييز أو تهميش.
واختتم بالإشارة إلى ما يقوله الزعيم الكردي عبد الله أوجلان بأنّ "التشاركية والعيش المشترك بحرية هما الجواب على السؤال الجوهري للثورة: كيف يجب أن نعيش؟"، معتبراً أن الاندماج الديمقراطي هو الطريق إلى هذا النموذج من الحياة المشتركة.
منبر الرأي